شهدت تشاد خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الإصلاحات الضريبية الهادفة إلى تعزيز تعبئة الموارد الداخلية ومواجهة انخفاض العائدات النفطية. وتسعى الحكومة من خلال هذه الإصلاحات إلى توسيع القاعدة الضريبية وتحديث آليات التحصيل ومحاربة الاقتصاد غير الرسمي، غير أن هذه الإجراءات كان لها أثر مزدوج على المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل نحو 90% من النسيج الاقتصادي الوطني.
وفقاً لغرفة التجارة والصناعة والزراعة والمناجم والحرف (CCIAMA)، فإن المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر في تشاد، والتي تُدار في معظمها من قبل أسر أو أفراد، تتركز في قطاعات التجارة والخدمات والتصنيع الغذائي، وتُعد ركيزة أساسية لتوفير فرص العمل، خصوصًا للشباب. ومع ذلك، يرى العديد من أصحاب هذه المشاريع أن النظام الضريبي لا يزال معقدًا ومثقلًا بالأعباء.
منذ عام 2018، نفذت الإدارة العامة للضرائب مجموعة من الإصلاحات المهمة، من أبرزها:
- إنشاء الرقم التعريفي الضريبي (NIF) لتتبع دافعي الضرائب وضمان شفافية التحصيل.
- إصدار مدونة عامة جديدة للضرائب تتضمن إجراءات تحفيزية للمشروعات الصغيرة، مثل النظام الضريبي المبسط للمؤسسات التي لا يتجاوز حجم أعمالها 30 مليون فرنك إفريقي سنويًا.
وقد ساهمت هذه الإصلاحات في رفع الإيرادات غير النفطية بنسبة 8.3% خلال عام 2023 مقارنة بعام 2022، وفق بيانات وزارة المالية. ورغم ذلك، ما يزال معدل الضغط الضريبي في حدود 9% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أقل بكثير من المتوسط الإقليمي البالغ 15% في منطقة الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا (CEMAC).
ويعاني العديد من أصحاب المشروعات الصغيرة من تعدد الضرائب المحلية والرسوم الإضافية، إضافة إلى بطء الإجراءات الإدارية واستمرار بعض الممارسات غير الشفافة. وقال أحد التجار في سوق دمبي: «ندفع الضرائب بانتظام، لكننا لا نرى انعكاس ذلك على أنشطتنا. المراقبة مستمرة، لكن الدعم والخدمات غائبة».
ومع ذلك، يشير خبراء الاقتصاد إلى بعض التحسينات الملموسة، مثل إدخال نظام الدفع الإلكتروني وتحديث منظومة إدارة الضرائب، مما قلل من الاحتكاك المباشر بين المكلّفين والموظفين وساهم في الحد من الفساد. كما ساعد إنشاء الشباك الموحد للمؤسسات في تبسيط الإجراءات الإدارية.
وبالرغم من هذه الجهود، يبقى تأثير الإصلاحات على تنافسية المشروعات الصغيرة محدودًا. فمن جهة، ساهمت الشفافية ومكافحة التهرب في تحسين بيئة الأعمال، ومن جهة أخرى زادت الأعباء الضريبية من ضعف هوامش الربح وأعاقت توسّع الشركات. وتشير بيانات البنك الإفريقي للتنمية إلى أن أقل من 20% من المشروعات الصغيرة والمتوسطة في تشاد مسجّلة رسميًا، وهي نسبة تُعد من الأدنى في المنطقة.
ولتدارك الوضع، توصي المؤسسات الدولية باعتماد نظام ضريبي تصاعدي أكثر عدالة يأخذ في الاعتبار حجم الشركات وطبيعة نشاطها، إلى جانب:
- تعزيز الوعي الضريبي لدى رواد الأعمال.
- تقديم الدعم الفني والإداري.
- خفض تكاليف الالتزام الضريبي.
- تشجيع المبادرات الريادية من خلال حوافز ضريبية خاصة بالشباب والشركات الناشئة.
ويرى المراقبون أن نجاح هذه الإصلاحات مرهون بمدى مشاركة الفاعلين الاقتصاديين فيها، وتحويل النظام الضريبي من عبء إداري إلى أداة تنموية حقيقية تدعم نمو الاقتصاد الوطني وتخلق فرص عمل مستدامة.